القلب ذلك المخلوق العجيب , فيه الحب وفيه البغض والكراهة , فيه الطاعة وفيه المعصية , وفيه الإيمان وفيه الكفر , كان ومازال مدار حديث المحبين بشتى صنوفهم . يقول تعالى " : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون " . (الأنفال : 24 ) .
أهل العلم يقولون : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو : الاستجابة لله وللرسول , أي : الانقياد لما أمر به والمبادرة إلى ذلك , والدعوة إليه , والاجتناب لما نهى الله عنه ورسوله , والانكفاف عنه والنهي عنه .
هم عباده : (( الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون )) (المؤمنون :60) . والله المستعان
هيأ الله تعالى رجالا يقومون بخدمة وحفظ حديث رسول صلى الله عليه وسلم على مدى القرون بدءاً من قرنه عليه السلام وهم صحابته الكرام وضي الله عنهم ثم انتقل إلى التابعين واتباع التابعين ثم إلى علماء المسلمين أصحاب الحديث ورواته وهكذا حتى وصلنا مصفى نقيا خاليا من الشوائب التي أدخلها أهل التحريف والانحراف.
لقد دونت المصنفات وقعدت قواعد مصطلح الحديث علمي الإسناد والمتن في خلال أربعة عشر قرنا ووضع كل شيء في قالبه واستطاع علماء الحديث ورواته بعلوم المصطلح أن ينفوا عنه تحريف المحرفين وتأويل الجاهلين فسلم الحديث بذلك.
صنعت الآف المصنفات في علوم الحديث ومصطلحه في خلال القرون الماضية ومازال العلماء والمحققين في خدمة الحديث النبوي بإبراز ما ألف في ذلك لم يرى النور من خلال تحقيق المخطوطات.
الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها مازالت في الأمة وتتنافس في تطبيقها النفوس التي ترجو ما عند الله من نعيم في جناته للمقتدين بسنة نبيه العاملين عليها بالليل والنهار. والله المستعان
كما كان رسول الله صلى عليه وسلم يعرف في الجاهلية بالصادق الأمين أراد ربه سبحانه وتعالى بعد أن أوحى إليه أن يختار له الصحبة الطيبة الصادقة وهم صحابته الكرام الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقد أدوا الأمانة كما أداها المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم ورعوها حق رعايتها ولكن الله تعالى قبل أن يمكنهم من ذلك أي أن يكونوا حواري نبيه أراد اختيارهم وتمحيصهم وبيان الصنف الذي يريد الدنيا من الصنف الذي يريد الآخرة فكانت الغزوات والسرايا والبعوث خير دليل وكانت غزوة أحد الشاهد الأكبر على ذلك أي صدقهم وصدق اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم إماماً ومبشراً ونذيرا . والله المستعان
حواريو رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضي الله عنهم صنف ليس له مثيل في تاريخ البشرية بعد رسول في كريم أخلاقهم وبذلهم وجهادهم , وتقواهم وعبادتهم هؤلاء مع ما كل ما حباهم به رب العباد من تلك الصفات يخافون أن لا يتقبل منهم قد وصفهم الله تعالى وصفاً عجيباً بقوله : " الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " .( المؤمنون :60.) قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مستفسرة النبي صلى الله عليه وسلم : هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم وهو يخاف الله عز وجل " .
أخرج الله تعالى من ظهر آدم كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة , كما ورد ذلك في حديث الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة .." الحديث.
ثم أخذ العهد كما قال الرب العزيز : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " . الأعراف : 172 . أي جعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن ثم قررهم بإثبات ربوبيته بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه ربهم وخالقهم ومالكهم , كما ورد ذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم : "كل طفل يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .." . أي الذي يغير الفطرة التي فطر الله عليها عباده في ظهور آبائهم وهي الربوبية هم الوالدان من تلك الملل والأديان . لهذا قال الله تعالى في هذه الآية العظيمة الحجة :" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين " .
إذا لا تتبعوا ما كان عليه آباؤكم من الشرك والكفر والعقائد الفاسدة وتخلصوا منها بالرجوع إلى الفطرة وهي الربوبية حتى لا تكون عليكم حجة يوم القيامة . والله المستعان .